• 2022-10-16

إدارة الأسرة قبل إدارة الشركة

ذهبت الزوجة إلى زوجها مدير الشركة، وعند دخولها مكتبه توقفت باندهاش أمام مشهد عجيب لم تره منذ زمن بعيد، فقد رأت زوجها مدير الشركة جالساً مع مجموعة من العاملين يسمع لهم ويناقش مشاكلهم ويمازحهم.
وفي حالة أخرى ذهب الولد إلى أبيه مدير الشركة، وفجأة انزوى الولد وأخذ يترقب أباه وهو يُدرب بعض العاملين الشباب الجدد، ويصبر على أخطائهم ويطمئنهم بقبوله الأخطاء طالما أنهم يتعلمون من أخطائهم على حد قوله.
ومرت ابنة مديرة المدرسة على والدتها، وحين دخولها المدرسة انبهرت من دقة عملها في توزيع المهام، وحكمتها في التخطيط والتنظيم ومتابعة المعلمين والإداريين.
ولعل اندهاش زوجة المدير حصل لأنها لم تر مثل هذا السلوك معها وهي أقرب شريك له في أهم شركة ألا وهي الحياة الزوجية، ولعل الولد تعجب من أبيه المدير لأنه لم يتعود منه تعليمه وصبره عليه مثل مسلكه مع شباب العاملين مع أنه أي الولد أغلى موظف لديه في شركة الحياة الأسرية، ولعل انبهار البنت من أمها لأنها لم تر مثل هذه الدقة والتخطيط من قِبَل الأم في أهم شركة وهي شركة الأسرة.
إن من المؤكد أن كلاً من الوالد والزوجة تمنيا لو كانا من ضمن العاملين بالشركة، وكذا البنت لو كانت معلمة بمدرسة أمها، ولا مانع عند الجميع أن يرجعوا للبيت للنوم والاستراحة ثم يعودوا للشركة والمدرسة حيث وجدوا ضالتهم في الحوار والنقاش كفريق عمل واحد، وفي التدريب والتعليم والصبر على اكتساب المهارة وفي الدقة والتخطيط والمتابعة ...إلخ من الأمثلة وغيرها.
إن من المُحزن أن يحدث انفصام في شخصية الإنسان كونه مدير شركة وكونه مديراً لبيت وأسرة. ومن العجيب أن الإنسان يهتم بشركة فرعية إدارتها وسيلة وليست هدفاً على حساب الشركة الأصلية ألا وهي شركة الأسرة، فإدارة الأسرة أهم وأخطر من إدارة أية شركة أخرى حتى لو كانت من الشركات العملاقة، حيث الأب هو المدير الوحيد لهذه الشركة دون تفويض أو انتداب آخر لإدارتها، وأفراد الأسرة هم أغلى وأفضل الموارد البشرية لدى المدير، وترابط أفراد الأسرة هو الدُعامة الرئيسة لتحقيق فريق عمل متميز يحقق أهداف الأسرة. ونجاح الأسرة في تربية أفرادها وتحقيق غايتها هو نجاح للمجتمع بكل مجالاته، بل هو نجاح في تعمير الأرض والإصلاح بعكس الآثار المحدودة لنجاح أية شركة اقتصادية أخرى.
وعليه فلابد من إعادة النظر في ترتيب الأولويات واعتبار الأسرة أهم شركة لابد من النجاح في إدارتها اولاً، حتي يحصل النجاح في إدارة غيرها، وإذا نجح أي شخص في إدارة غيرها فهو نجاح مؤقت، حيث سيتطلب الأمر بذل كل شيء ليصلح شركة الأسرة، ولكن قد يفوت الأوان ولا يستطيع الإصلاح بعد إشهار الإفلاس.
وهذا هو هدي النبي فقد كان صلى الله عليه وسلم قائد مشروع الخيرية للبشرية بأجمعها، وفي الوقت ذاته كان الزوج الحبيب لزوجاته والأب المعلم والمربي لأولاده، فلم يمنعه التخطيط والتأسيس لقيام الدولة الإسلامية التي تحمل رسالة الخيرية للبشرية؛ أن يُحْسِن إدارة أسرته ويخطط لها ويتابع زوجاته ويعلم أولاده ويحنو عليهم.
وهكذا إذا تأكد لنا أن الأسرة هي أهم وأغلى شركة في حياة كل فرد، وأن إدارتها من أخطر أنواع الإدارة، وأن أثر نجاحها سيؤثر على المجتمع كله؛ لتَعلمنا مهارة إدارة الأسرة قبل إدارة الشركة.